Monday, June 27, 2011

الصدام مع الواقع


‫تصطدم البراءة والإخلاص بالواقع عندما يكتشف الطفل حين يكبر أن النية الطيبة وحسن العشرة لا تعني بالضرورة أنه سيحيى حياة كريمة، او حتى يتزوج. حين تفقد البراءة والطيبة مردودهما الاجتماعي والشخصي، حينئذ يجد الشخص نفسه في موقف لا يحسد عليه، عليه أن يختار بين طريقين، أما الألم وأما الغش. وليست كل الآلام سواء؛ فمن الآلام ما يفقد العقل ومنها ما يدمر الفطرة حتى لا يدري الشخص الصواب من الخطأ، وحينها يغش دون قصد. فالمعصوم من عصمه الله، ولا تضمن نفسك إلا إن وثقت في رحمة الله بك واختياره لك. وإن لم يكن تخسر الدنيا والآخرة؛ فكما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحج : ‬وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿الحج: ١١﴾ ‫.‬

عندما يعاني الشخص في صمت ويعلم في داخله أن جبر آلامه ليس في مقدور بشر، فيتردد في الشكوى لأهله وأصحابه فيقلقوا وليس بيدهم شئ. ولكن لا يستحيل على الله شئ، والله سبحانه وتعالي قال في سورة البقرة : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿البقرة: ١٨٦﴾ . فيعلم الفقير إلى الله حاجته إليه، وعجز سائر البشر عنه، فيدير وجهه لله باكياً موقناً أن الأمر لله جميعاً يفعل ما يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب. فإن من الرزق المنع، فكما قال الله تعالي في سورة الزمر : فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿الزمر: ٤٩﴾ . والله يبتلي عباده بالرزق الوفير وبالمنع ايضا، ففي سورة الفجر : فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴿١٥﴾ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴿١٦﴾ . فيبلتى ذو الرزق على شكره ويبتلى ذو المنع على صبره، وكلاهما ابتلاء.

وليس المنع والعطاء في المال فقط، فهناك الصحة، والبنين، والخوف، والوحدة، وغيرهم، قال تعالى في سورة البقرة : وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿البقرة: ١٥٥﴾ . قد يشعر الأنسان أن ابتلاءه أشد من غيره، وهذا في حد ذاته فتنة إساءة الظن بالله، فكلٌ يُبتلى على قدر إيمانه ولا يظلم ربُك أحدا، وإن هذا الظن لَهُو جحود وكِبْر. أنما الحياة الدنيا دار إبتلاء، كلنا في قاعة امتحان كبيرة، أسمها الأرض، وكلنا له أمتحانه، مفصُّلٌ على مقاسه، ويحاسب كل فرد على عمله، بمعزلٍ عن غيره وما فعلوا، ففي سورة مَرْيم : وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿مريم: ٩٥﴾ . فأنظر ظروفك إن كان مجتمعك في ظروف أصعب، أو في ظروف أحسن، ورَ ما تفعل، فإن لم يكن نفس الفعل فأنت على خطأ. فذو العين الواحدة في مجتمع العميان لهو في نعمة، وهو ذاته في مجتمع أصحاب العينين، في بلوة. وليست الأمور دائما بهذه البساطة ولن يعينك على فهم ابتلاءك بصورة صحيحة إلا حسن الظن بالله. فإن أحسنت الظن نجوت وإن كان غير ذلك هلكت.

وللحديث بقية إن شاء الله...

No comments: