نشأت على رؤية كل محاولة نظامية للإصلاح تفشل، وأي محاولة رقابية تفشل، وأي محاولة لفرض أي النظام تفشل. وعلينا التدبر في ذلك. أي نظام ما هو إلا عبارة عن مجموعة أفعال تقود لمجموعة نتائج. الرقابة تؤكد على حصول النتائج، ولكن لا تؤكد على حصول الأفعال؛ ذلك بأنه الأفعال «غير منظورة» والنتائج «منظورة». وقد تكون النتائج صورة سطحية تخبئ في طياتها الغير منظورة العديد من التقصيرات.كمثال عرض تخرج دفعة الظباط الأحتياط هو تمثيلية لا تعكس كفاءتهم؛ عارضي الكاراتيه لم يتدربوا على سواه، ولم يعرف عن الكاراتيه حرف ممن لم يعرضوه. ونفس المشكلة موجودة حتى في نظم الأمتحانات الدراسية فهي ليست بالضرورة عادلة، قد لا تعطي صاحب الحق حقه وقد تعطي فاقد الحق ما ليس له حق فيه، وقد تخصص بعض الطلبة «المتفوقين» إسما، في تقويض نظام التقييم ذلك، بأساليب ليس من ضمنها التعلم بأي مفهوم له، وليس بالضرورة أساليب غير قانونية كالغش. نقطتي هي أنه في أي نظام فيه عامل بشري، لا فكاك من الأعتماد على الضمير البشري، لأن الإنسان فاقد الضمير، مازال لديه العقل ليخدع به نظم التقييم، وفعليا لا بد من الأعتراف بأنه من المستحيل أبدا توظيف البشر كآلات وإجبارهم على العمل كما يجب وهم كارهون، مهما تشددت نظم الرقابة، بل على العكس، فسيتفننون في خداعها. وذلك الخداع ليس بالضرورة عن سوء نية، ولا حتى عن وعي، ولكن قد يكون بسبب فقدان النظام القائم للشرعية، مما يقود للـ «العناد»، كنوع من العصيان المدني الغير معلن. وكمثال ملموس: لماذا رفض كثير من الناس ربط حزام الأمان في سياراتهم عندما تم إقرار القانون؟ أليس عناداً في المشرع؟ ألم تر بنفسك كيف يربطونه قبل اللجنة بعدة أمتار ثم يفكونه بعدها بعدة أمتار، وهم في نشوة كأنهم أثبتوا لأنفسهم أنه نظام فاشل ونجحوا في خداعه؟ وفي هذا السياق أعتبر مصر فعليا في حالة عصيان مدني غير معلن منذ عقدين على الأقل، وهذا يفسر تردي حالة التعليم والصناعة والأقتصاد. فلتنظر كيف يتفنن الموظف في الإمضاء في كشف الحضور والأنصراف (المنظور) ثم تعذيب المواطنين فيما بينهما (الغير منظور)؟ أو كيف يتفنن مدرس الجامعة في الضغط (غير منظور) على طلبته لينشروا أبحاثهم بأسمه زوراً (منظور)؟ تلك الأزواجية تسببت في تراكم طبقة من النفاق في نفس المواطنين تدخلت -للأسف- حتى في حياتهم الشخصية، فأصبحوا يركزون على المظاهر وما سيقوله فلان وعلان عنهم، عوضا الأهتمام بجوهرهم، ولا حتى بأصهارهم. وتسبب أيضا في تفشي ظواهر أخرى عديدة في المجتمع منها ظاهرة «أنا ومن بعدي الطوفان»، حيث تمحور أهتمام الفرد (أو بالأحرى تم تدريبه لا شعورياً) في النجاة بنفسه وذويه في خضام ذلك النظام الغير عادل. وكلمة العدالة هنا تثير نقطة هامة جدا، فلا يذكر العدل إلا ويذكر معه القضاء. وأقول لكم النصيحة الآتية بكل إخلاص: النظر في المرأة ثلاث مرات كل يوم والتكرار «قضاء مصر شامخ» لا تجعل الجملة صحيحة بالضرورة وسأقول لك دليلاً واحداً: بصفتك مصرياً تقرأ هذه المقالة فأنت تستخدم أحد مقدمي خدمة الأنترنت المصريين، بما فيهم واحداً معيناً يقدم خدمة سيئة للغاية على عكس ما تم الأتفاق عليه، لو كنت تظن قضاء مصر شامخاً فعلا فلتقدم فيه دعوى قضائية بمخالفة العقد والمطالبة بالتعويض وسأكون سعيداً للغاية لو نجحت، خصوصاً لو نجحت في أدنى من سنتين! ليس فقط المشكلة في بطء العدالة (إن كانت صحيحة) ولكن أيضا في تطبيقها، فكم من قرار صحيح لم يتم تطبيقه! التطبيق جزء لا يتجزأ من العدالة، وبدون عدالة لا يأمن الإنسان على نفسه، وبدون أن يأمن الإنسان على نفسه لن يحرص على غيره، ولو لم يحرص على غيره قد لا يرضي ضميره في عمله، وبما أنه يعلم يقينا أن نظام العدالة لا يعطي أحداً حقه فهو يعلم أنه قادر على خداع نظام التقييم (المُعبر عن العدالة بصورة أخرى).
فكرة المقالة نشأت من عدة تغريدات لي على تويتر.
فكرة المقالة نشأت من عدة تغريدات لي على تويتر.