السؤال بتاع هل الأرقام التخيلية موجودة حقاً سؤال محرج،ليس لأن ليس له إجابة ولكن لأن إجابته ستقتضي بأن يتم كشف حقيقة أن الرياضيات كيان تجريدي. الأرقام الحقيقية نعتبرها "موجودة" لأنها تعبر عن كميات فيزيائية، كالقياسيات (الطول وغيره). بينما الوحدة التخيلية ت لا تعبر "مباشرة" عن كمية يمكن قياسها، ولكنها مُعرفة بدقة ولها معنيين، أحدها تجريدي والآخر غير مباشر. أما المعنى التجريدي للتاء، فتخيل خط الأرقام، ولتحوّل رقم واحد لسالب واحد فإنك تقوم بتدويره في نصف دائرة مركزها الرقم صفر. لو توقفت في المنتصف فهذا هو الرقم ت: العملية اللتي إذا قمت بها مرتين حصلت على الرقم -1، وهي عملية التدوير ربع دائرة. المعنى الغير مباشر فهو أن الرقم ت يمثل دالة دورية مداها* واحد وطورها** تسعون درجة. في الواقع فإن الكيان التجريدي للرياضيات الحديثة لا يعتبر كثيراً بالمعنى ويهتم بالكيفية، فخصائص الأرقام المركبة مفيدة وجوهرية نظرياً وتطبيقيا. أكتشف علماء الرياضيات قيمة التخلي عن المعنى والتركيز على الكيفية منذ أقل من 500 عام وكان لذلك الأكتشاف أكبر الأثر في تطور الرياضيات والعلوم. للأسف لا يبدو أن فكرة التخلي عن المعنى هذه تروق لغير المتخصصين كما لم ترق للرياضيين في البداية. التخلي عن المعنى قفزة قد لا تبدو أنيقة ولكنها ضرورية.بالتالي الرياضيات الحديثة هي دراسة للكيانات التجريدية في حد ذاتها وليس للواقع الفيزيائي. ومما يستحق التدبّر هو أن تلك الكيانات التجريدية، حتى أسخفها وأبعدها عن الواقع ينتهي بعد 50 أو حتى 100 عام بتطبيق عملي في الفيزياء ! للرياضيات رونق داخلي ولكن كما أثبت التاريخ فهو ليس للأستمتاع فقط وإنما كوننا وحياتنا بها نفس الرونق الجمالي لسبب ما. هذا الترابط الغير متوقع بين الكيانات التجريدية وبين الكون والحياة يستحق التدبر في جمال خلق الله.
* مدى = amplitude
** طور = phase
الوحدة التخيلية = i
** طور = phase
الوحدة التخيلية = i
No comments:
Post a Comment